شجرة تعكس مرآة الحياة

حياة منقوشة وذكريات منحوتة بين طيات أوراق الشجرة، تلك الشجرة الذي يختبئ في عقرها صوت حفيف الماضي وخبايا الحاضر لم تكن مجرد شجرة عادية، فالشجر لم يكن يوماً عادياً فحسب.

أتعجب دوماً من قدرة الشجرة العملية على التأقلم والتلون بهذه السرعة والسلاسة التي تفعل، وأتساءل هل نستطيع أيضاً نحن كبشر أن نتعلم من تلك الانسيابية في التعاطي والتعامل مع كل مايدور من حولنا؟ فما الثابت إلا الجذع، أما الأوراق فهي في دوامة مستمرة من التغيرات المتزامنة والمتلاحقة.

وهذا كثيراً مايشبه حياة الإنسان منذ الأزل، لو لم تغرب الشمس لما سطعت من جديد فأنارت وأحيّت، ولو لم تملك الشجرة مستوى متقدم من القدرة على التأقلم، لأنهكها الحنين ومزق أغصانها الشوق. وبالمقابل فإن الورقة التي لم تسقط في فصل الخريف خائنة في عيون أخواتها، وفية في عين الشجرة، ومتمردة في عيون الفصول، فالكل يرى الموقف من زاويته المحدودة.

و من المؤلم أن قلما ناس يفهمون يفهم أن جنون الربيع إنما هو وليد حزن الخريف فبعد أن تزهر وتتبرعم الثمار يحين موسم الحصاد فتذبل الأوراق وتتساقط واحدة تِلوَ الأخرى، ويبقى الجذع عاري من كل الشوائب والمكملات.وهكذا هي الحياة "مرة حلو ومرة مر" وفي الحالتين الثابت الواحد يجب أن يكون القيم والمبادئ التي تحد حدود خارطة كل إنسان وتكون شخصيته المستقلة.

وكلما جلست تحت ظل شجرة أراقب الحياة، وأتمعن بتفاصيل الشجرة من الجذور إلى الساق مروراً بالأغصان ووصولاً إلى الأوراق، أتفكر كم عاماً مر على هذه الشجرة يا ترى؟ كم من الذكريات حملت والأسرار أخفت؟ إيجابية كانت أم سلبية؟ كم مرة بدلت ردائها وتأقلمت مع محيطها؟ وبالرغم من هذا لازالت تستقبل كل قاصد لها بحفاوةٍ لا مثيل لها.

والممتع أن العواصف تجعل جذور الشجرة أكثر صلابة وتشبث، فتتمسك أكثر في الأرض وتنغرس، وأضعف الثمار أسرعها سقوطاً من الشجرة. وهكذا الناس دائماً في دوامة من التجارب اللامتناهية التي تهب بها الرياح على شكل تحديات قد تزعزع بعض المبادئ وتُسقط أخرى، لكن الجذر الطيب ثابت لا يتزعزع ولا يكترث.

وانظر إلى مئات الأشجار التي تحتويك بظلها وتُسعِدك بثمارها وتُشجيك بأغانيها، فانتظر قدوم الربيع وافتح نوافذك لنسمات الهواء النقي وانظر بعيداً فسوف ترى أسراب الطيور عادت تغنّي وتنشد أجمل الألحان. كما ينبثق النور من الظلام، ويولد الخير من الشر، فمن رحم المشاكل والمحن يولد الأمل ويتبرعم، والعواصف الشديدة تُحطّم أغصان الأشجار الضّخمة لتزهر من جديد.